القصيدة المتوحّشة / من قصائد نزار قبّاني / الصمت في حرم الجمال
أحبّيني .. بلا عقد
وضيعي في خطوط يدي
أحبّيني .. لأسبوع .. لأيام .. لساعات..
فلست أنا الذي يهتم بالأبد..
أنا تشرين .. شهر الريح
والأمطار .. والبرد..
أنا تشرين فانسحقي
كصاعقة على جسدي..
أحبيني ..
بكل توحش التتر..
بكل حرارة الأدغال
كل شراسة المطر
ولا تبقي ولا تذري..
ولا تتحضّري أبدا..
فقد سقطت على شفتيك
كل حضارة الحضر
أحبّيني..
كزلزال .. كموت غير منتظر..
وخلّي نهدك المعجون..
بالكبريت والشرر..
يهاجمني .. كذئب جائع خطر
وينهشني .. ويضربني ..
كما الأمطار تضرب ساحل الجزر..
أنا رجل بلا قدر
فكوني .. أنت لي قدري
وأبقيني .. على نهديك..
مثل النقش في الحجر..
أحبّيني .. ولا تتساءلي كيفا..
ولا تتلعثمي خجلا
ولا تتساقطي خوفا
أحبّيني .. بلا شكوى
أيشكو الغمد .. إذ يستقبل السّيفا؟
وكوني البحر والميناء..
كوني الأرض والمنفى
وكوني الصحو والإعصار
كوني اللين والعنفا..
أحبّيني .. بألف وألف أسلوب
ولا تتكرّري كالصيف..
إنّي أكره الصيفا..
أحبّيني .. وقوليها
لأرفض أن تحبّيني بلا صوت
وأرفض أن أواري الحب
في قبر من الصّمت
أحبّيني .. بعيداً عن بلاد القهر والكبت
بعيداً عن مدينتنا التي شبعت من الموت..
بعيداً عن تعصبها..
بعيداً عن تخشبها..
أحبّيني .. بعيداً عن مدينتنا
التي من يوم أن كانت
إليها الحب لا يأتي..
إليها الله .. لا يأتي ..
أحبّيني .. ولا تخشي على قدميك
- سيدتي - من الماء
فلن تتعمّدي امرأة
وجسمك خارج الماء
وشعرك خارج الماء
فنهدك .. بطة بيضاء ..
لا تحيا بلا ماء ..
أحبّيني .. بطهري .. أو بأخطائي
بصحوي .. أو بأنوائي
وغطيني ..
أيا سقفاً من الأزهار ..
يا غابات حناء ..
تعرّي ..
واسقطي مطراً
على عطشي وصحرائي ..
وذوبي في فمي .. كالشمع
وانعجني بأجزائي
تعرّي .. واشطري شفتي
إلى نصفين .. يا موسى بسيناء.